هناك علاقة وثيقة بين المعرفة والتعلم، وهذه
العلاقة قديمة تعود إلى آلاف السنين. فقد اعتمدت طريقة الفيلسوف سقراط أساسا على
توجيه طلابه عبر سلاسل الأسئلة التي تنمي التفكير الناقد لديهم (الكامل، 2003). لذا
فإن كان التعليم يهتم بتوصيل الأفكار للمتعلمين، فأنه يجب أن يركز على أفضل
الوسائل والطرق باستخدام المعلومات المتاحة. ولا تأتي الطريقة الأكثر فاعيلة في
إحداث تغيير في الأفكار من الخارج، بل من الداخل بتنظيم المعلومات المتاحة
بالاستبصار. والتفكير البنائي أداة من أدوات الاستبصار يرتبط ارتباطا وثيقا
بالإبداع، ولكن الإبداع يصف النتائج، أما التفكير البنائي فيصف العمليات الداخلية
(الكامل، 2003). وكما ذكر (القبيلات، 2007) أنه قد "ظهرت أفكار النظرية
البنائية في عمل بياجيه، حيث زعم أن البنية المعرفية ليست صورة للواقع وإنما ما
يقوم الفرد بإنشائه من خلال تفاعله النشط مع الواقع"، وهذا يتوافق مع تعريف (Bruner, 1966) للنظرية البنائية بأنها عملية التعلم النشط التي يتم فيها بناء أفكار
ومفاهيم جديدة للمتعلمين استنادا على المعرفة السابقة والحالية (Keskin & Metsalf, 2011).
فالنظرية البنائية تحتل مكانة متميزة بين نظريات التعلم
الأخرى في مجال تصميم محتوى المنهج الدراسي، فهي ترتكز على أن التعلم عملية تفاعل
نشطة يستخدم فيها الطالب أفكاره السابقة لإدراك معاني التجارب والخبرات الجديدة
التي يتعرض لها، ويكون دور المعلم هنا ميسرا وليس ناقلا للمعرفة ( القبيلات،
2007).
وللحصول على بيئة تعليمية ناجحة يمكننا استخدام وسائل
التكنولوجيا والاتصالات الحديثة كأحد وسائل تطبيق نظرية البناء المعرفي، حيث أن استخدام المعلومات و
تكنولوجيا الاتصالات اليوم في البيئات التعليمية كالتخطيط، التطبيق، التقييم
وتطوير عمليات التدريس يعتبر دعم لعملية التعلم (Kurt,
Coklar, Kerem and Yusuf, 2008). ومن أحدث هذه الوسائل التكنولوجية التي اجتذبت قدرا كبيرا من اهتمام
الباحثين في التخصصات المختلفة الذين أدركوا إمكانية التطبيق المتنقل للتكنولوجيا
في تعزيز التعيلم هو التعليم النقال Mobile Learning فالتعليم النقال هو استغلال التكنولوجيا المحمولة
في كل مكان، جنبا إلى جنب مع الاتصالات اللاسلكية وشبكات الهاتف المحمول، تيسيرا،
ودعما وتعزيزا لتوسيع نطاق التدريس والتعلم.(Molenet, 2007)
وتظهر أهمية التعلم النقال بتعدد أشكاله
كالهواتف الذكية المحمولة وأجهزة الآيباد، وكثرة مستخدميه حيث يعتبر الأداة الأسهل
والأكثر شيوعيا لجميع الفئات العمرية في المراحل الدراسية، فقد تم التوجه إلى
استخدام التعليم النقال في الجامعات كأحد البرامج التعليمية نظرا لإدراك مدى
الاستفادة التي يحققها وتسهيلا لعملية التعلم في اختصار الوقت والمسافة بين الطلبة
(Alden,
2013).
إلا أنه قبل
نقل هذه الوسيلة التكنولوجية وتطبيقها في مدارس الكويت يجب التركيز بأن تكون
متماشية بشكل يناسب نمط البناء الاجتماعي للمجتمع الكويتي الذي يتميز ببيئته
المحافظة، وتمسكه بعاداته وتعاليم دينه، فيجب أن تراعي هذه الوسيلة التكنولوجية
الجديدة الخصوصية التامة لبيانات الطلبة والمعلمين من الجنسين. كما أن المجتمع
الكويتي اعتاد على الأسلوب التقليدي في التعليم المعتمد على تلقي المعلومات فقط،
فيجب قبل تطبيق هذه الوسيلة التكنولوجية تهيئة البيئة الاجتماعية المتمثلة في
الطلبة وأولياء أمورهم من خلال التوعية الإعلامية واللقاءات التنويرية داخل
المدرسة.
وفيما يلي خطة مفترضة لتصميم بيئة تعليم
تكنولوجية لأحدى المدارس في دولة الكويت متناغمة مع نمط البناء الاجتماعي معتمدة
على نظرية البناء المعرفي ودمجها مع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.
ففي البداية يجب التركيز على إعداد المعلم لهذه النقلة
التكنولوجية حيث أنه اعتاد أن يكون مصدر المعلومة بعكس ماهو مفترض في نظرية
التعليم الجوال، ويكون ذلك من خلال دورات تدريبية للمعلمين في الميدان، وجعلها
مقررات يتم تدريسها في كليات التربية والتعليم، ليكون دور المعلمين هنا ميسرين فقط
وليس ناقلين للمعرفة، كما يرى الكامل (2003) حيث ذكر بعض الخصائص الواجب توافرها
في المعلمين:
-
أن يعملوا كموجهين ومشرفين وقادة وميسرين.
-
أن يتأكدوا من بناء المعرفة
وليس إعادة انتاجها.
-
بناء المعرفة يجب أن يتم في سياقات فردية ومن خلال
المناقشات والتعاون والخبرة الاجتماعية.
-
التأكيد على مهارات التفكير العالية وحل المشكلات .
-
اشتقاق الأهداف الرئيسية والفرعية بواسطة المتعلم.
وبعد تهيئة المعلمين يجب تصميم منهج تعليمي
جديد يواكب الأسلوب التعليمي التكنولوجي المراد استخدامه في التعليم الحديث، وبدلا
من استخدام الأساليب التقليدية في التدريس يجب أن يكون التعليم النقال هو الوسيلة
الأولى المتسخدمة في التعليم من خلال عدة تطبيقات يمكن استخدامها كما تم ذكرها في (Keskin & Metsalf, 2011) وهي:
-
الألعاب المحمولة
فيمكن تطبيق هذا الأسلوب التكنولوجي في ضوء
النظرية المعرفية في دراسة علم التشريح لمادة العلوم كمثال مطروح: فالطالب لديه
مجموعة من المعلومات السابقة عن أعضاء الجسم البشري، فمن خلال الألعاب المحمولة
على الجوال أو الآيباد يستطيع الطالب تشريح ومشاهدة هذه الأجزاء والتعرف على
أماكنها في الجسم ومكوناتها الدقيقة. فالطالب هنا توصل إلى معرفة جديدة بناءا على
معلوماته السابقة باستخدام الوسيلة التكنولوجية الجديدة.
-
محاكاة الواقع الافتراضي
هنا يستطيع الطالب معالجة مشكلة التلوث البيئي
في الكويت بناءا على معلوماته السابقة حول أسباب التلوث وطرق علاجه، من خلال
محاكاة واقع افتراضي لدولة الكويت ببيئته الملوثة، يبتكر الطالب حلولا يمكن من
خلالها الحد من هذه المشكلة على هذه البيئة الافتراضية أمامه في جواله، كأن يزرع
الأشجار ويبعد المصانع عن المناطق السكنية.
-
البث التفاعلي عبر الفيديو و رسائل SMS
باستخدام هذه الوسيلة يستطيع الطلاب مناقشة
واجباتهم المنزلية وتبادل الآراء حول هذه الواجبات والتواصل مع المعلمين وباقي
الطلاب في أي مكان خارج المدرسة، وبالتالي يستطيع الطالب إثراء معلوماته من خلال
هذه المناقشات الهادفة وتبادلهم للخبرات، ومن الملاحظ أن هذه الوسيلة تتناسب مع
البناء الاجتماعي للبيئة الكويتية حيث أن التواصل هنا يكون عن الطريق الرسائل
النصية. وكما نعلم أن بعض المدارس الإبتدائية للبنين ذات معلمات، و يكون من الصعب
عليهن التواصل مع طلبتهم عبر الفيديو بعكس الرسائل النصية التي تتيح الاتصال
بسهولة، ومن ناحية أخرى يمكن استخدام البث التفاعلي عبر الفيديو بين الطلبة
والمعلمين الذكور.
ولتصميم هذه البيئة التعليمية التكنولوجية يجب
أن تتضافر جهود جميع مؤسسات الدولة التعليمية وغيرها من المؤسسات الأخرى والمعلمين
والطلبة وأولياء أمورهم لتسهيل وتحقيق هذه المهمة، فالتعليم ليس جهد شخصي بل قضية
إشتراكية تمس جميع الأطراف.
http://www.teachingskills.org/wp-content/uploads/2013/08/classroom-climate4.jpg
ردحذفhttps://www.youtube.com/watch?v=4ZUOy6ujJ70
من المعروف أن المدرسة هي البيت الثاني للمتعلم بعد الأسرة والمنزل، كما تعد أيضا من أهم مؤسسات المجتمع ويتوقع منها أن تقوم بأدوار عديدة في مجال تربية الطلاب تربية سليمة، وشاملة لكافة الجوانب، ولا يقتصر دورها على جانب واحد فقط مثل تزويدهم بالمعارف، والمعلومات؛ فبالإضافة إلى الاهتمام بالجانب المعرفي فهي مسؤولة عن إكسابهم المهارات المختلفة بصورة وظيفية لكي تعينهم على التكيف مع مجتمعهم، ومتطلباته المتغيرة، كما أن المدرسة مسؤولة عن إكساب الطلاب القيم السليمة المتوافقة مع القيم الإسلامية، والمواكبة لعادات المجتمع وتقاليده، وهي مسؤولة أيضاً عن تنمية اتجاهات إيجابية لدى المتعلمين نحو الجوانب الحياتية المختلفة، ولذلك فللمدرسة أدوار عديدة ومختلفة، وليس دوراً واحداً يقتصر على تزويد الطلاب بالمعلومات، والمعارف، التي بإمكان الطالب الحصول عليها من مصادر أخرى غير المدرسة، وهنا لا نريد أن تكون المدرسة مكاناً للحصول على المعلومات، والمعارف فقط، ولا تركز على الجوانب الأخرى.
وقد يختلف مفهوم المدرسة عند كثير من الناس عن المفهوم الصحيح لها، فعندما يسمع بعضنا كلمة "مدرسة" أول ما يتبادر لذهنه المبنى المدرسي فقط، وهذا فهم غير صحيح، فمفهوم المدرسة أشمل من ذلك، ويشمل كل ما يحتويه البناء المدرسي من هيئة إدارية، وموظفين، ومعلمين، ومتعلمين، وإمكانات مادية أخرى كالفصول الدراسية، والمختبرات العلمية، والمكتبة المدرسية، والمناهج الدراسية، ومركز مصادر التعلم، وملاعب مدرسية، وغيرها من الإمكانات الأخرى، لذلك عندما نحكم على المدرسة بأنها مقصرة في تحقيق أهدافها، فحكمنا شامل، ويشمل كل الجوانب السابقة، وقد يكون فيه شيء من الإجحاف.
وعندما يتأمل الشخص الأدوار العديدة للمدرسة تجاه الطلاب والمجتمع، لا بد وأن يتساءل عن وضع هذه المؤسسة، والإمكانات المتوافرة سواء البشرية، والمادية، وهنا تبدو الحاجة واضحة وملحة للتعرف على البيئة المدرسية وإمكاناتها عن قرب، ومن ثم الحكم عليها، وعلى مخرجاتها، وعدم توافر هذه الإمكانات في مدارسنا يؤثر بدرجة كبيرة على مستوى أدائها، ولا تقوم بالأدوار المتوقعة منها. وما أكثر ما ننتقد مدارسنا عند إخفاق الطلاب، أو حدوث مشكلات سببها الشباب، ولكي نكون أكثر واقعية، ومنطقية في انتقادنا للمدارس ومخرجاتها، لا بد من أن نتأكد من مدى توافر الإمكانات (البشرية، والمادية) الضرورية لتحقيق المدرسة لأهدافها المختلفة.
المصدر : http://www.edutrapedia.illaf.net/arabic/show_article.thtml?id=329&print=true
الدهلاوي عبدالله الدهلاوي
aldhlawi1995@icloud.com
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفمبادئ التعلم في النظرية البنائية[عدل]
ردحذفمن أهم مبادئ التعلم في هذه النظرية: التعلم لا ينفصل عن التطور النمائي للعلاقة بين الذات والموضوع؛ التعلم يقترن باشتغال الذات على الموضوع وليس باقتناء معارف عنه؛ الاستدلال شرط لبناء المفهوم، حيث المفهوم يربط العناصر والأشياء بعضها ببعض والخطاطة تجمع بين ما هو مشترك وبين الأفعال التي تجري في لحظات مختلفة، وعليه فإن المفهوم لايبنى إلا على أساس استنتاجات استدلالية تستمد مادتها من خطاطات الفعل؛ الخطأ شرط التعلم، إذ أن الخطأ هو فرصة وموقف من خلال تجاوزه يتم بناء المعرفة التي نعتبرها صحيحة؛ الفهم شرط ضروري للتعلم؛ التعلم يقترن بالتجربة وليس بالتلقين؛ التعلم هو تجاوز ونفي للاضطراب.
سعاد الظفيري